حبارات يكتب: اقتصادياً كيف يفهم إيرادات سيادية بقيمة 2.350 مليار دينار من إجمالي إتفاق عام قدره 86.000 مليار دينار ؟

286

كتب: نورالدين حبارات المهتم بشأن الاقتصادي مقالاً

بلغ إجمالي قيمة الإيرادات السيادية عن العام 2021 م ما قيمته 2.350 مليار دينار وبما نسبته ‎%‎02.7 فقط من إجمالي الإنفاق العام الذي قارب من من 86 مليار دينار وذلك وفق البيان الصادر عن المركزي ( مرفق صورة ) حيث كانت تفاصيل تلك الإيرادات كالتالي .
إيرادات ضرائب 799 مليون دينار
إيرادات جمارك 312 مليون دينار
إيرادات رسوم خدمات 494 مليون دينار
فوائض شركات الاتصالات 198 مليون دينار
إيرادات بيع المحروقات 450 مليون
الإجمالي 2.350 مليار دينار

والغريب أو الملفت للنظر إن حصيلة هذه الإيرادات ليست خجولة فقط بل كارثية بكل المقاييس وتعكس مدى تجاهل الحكومة الحالية والحكومات السابقة والمتعاقبة لها نتيجة لإعتمادها المفرط على الإيرادات النفطية فقط كوسيلة وحيدة في تمويل الميزانية العامة وعدم وضعها لإستراتيجية وخطط لتنويع وتنمية مصادر دخل البلاد ، فهذه الحصيلة لا تتجاوز ما نسبته ‎%‎02 من إجمالي الإيرادات العامة التي قدرتها الحكومة ب 103 مليار دينار جلها نفطية ( الدولار يساوي 4،48 دينار ) ، في الوقت الذي بدأت فيه الدول الخليجية تدريجياً بتقليص إعتمادها على النفط السلعة الناضبة في مقابل تنمية إيراداتها غير النفطية ، فمثلا إيرادات العربية السعودية غير النفطية بلغت خلال العام 2021 م ما قيمته 272 مليار ريال (99 مليار دولار ) وبما نسبته ‎%‎40 من إجمالي ايرادات المملكة التي ناهزت 930 مليار ريال ( 248 مليار دولار ) فهي تسعى وفي إطار رؤية 2030 م إلى تخليها كلياً عن النفط كمصدر رئيسي أو وحيد في تمويل ميزانيتها .

والسؤال هو ما ذا فعلت حكوماتنا في هذا الصدد ؟
كما إن تلك النسبة أو الحصيلة الخجولة تطرح أمامنا عدة تساؤلات لعل أبرزها .

1- جباية الإيرادات العامة من ضرائب ومباشرة وغير مباشرة وأتاوات ورسوم خدمات وغيرها من سائر الإيرادات كما هو معروف أحد أهم وطائف الحكومات وأساس نجاحها فهي المصدر الرئيس لتمويل ميزانيتها ، وهذه الوظيفة أي جباية وتحصيل الايرادات تعكس مدى فرض وممارسة الحكومات لسيادتها على كافة أراضيها وتحقيقها للعدالة الإجتماعية بين مواطينها فماذا عن حكوماتنا وأين هي من كل ذلك ؟.

2- اقتصادياً زيادة الإنفاق العام تتناسب طردياً مع حصيلة الإيرادات السيادية ، فالإنفاق العام على كافة أبواب الميزانية العامة هو في الأصل دخول للمواطنين سواء للعامين بالدولة أو للعاملين لحساب أنفسهم و هذه الدخول تتداول من فئة إلى أخرى فكيف إتفاق عام يقارب من 000 86 مليار دينار يتولد عنه ضرائب بقيمة 799 مليون دينار فقط ؟.

3- بلغت قيمة الإعتمادات المستندية خلال العام 2021 م ما قيمته 10،700 مليار $ أي ما يعادل 48.000 مليار دينار وفق لبيان المركزي ( مرفق صورة ) ، فكيف قيمة إستيراد بهذا الحجم الكبير يتولد عنه رسوم جمركية ( ضرائب غير مباشرة ) بقيمة 312 مليون دينار فقط أي ما نسبته ‎%‎006 من حجم تلك الإعتمادات ناهيك عن السلع التي تورد من خلال حوالات مالية كالسيارات وغيرها فكيف ذلك ؟.

4- الدولة و كما هو معروف أسثتمرت في السابق مبالغ كبيرة جداً في شركات الإتصالات و هذه الشركات لديها مشتركين بالملايين فكيف مساهمتها ضئيلة لا تتجاوز 198 مليون خلال العام 2021 دينار رغم إيرادات هذه الشركات عن كافة خدماتها جوال وانترنت قد تقدر بملايين الدينارات؟ فمثلاً دفع مليون مشترك لمبلغ 5 دينار فقط يومياً يعني تحقيق أيراد يومي بخمسة مليون دينار ؟.

5- قيمة الإيرادات السيادية المعتمدة خلال ميزانية العام 2010 م قدرت ب 7.000 مليار دينار و بما نسبته ‎%‎16 من إجمالي الإنفاق الذي قدر أنداك ب 43.000 مليار دينار قرابة ‎%‎65 منه أي ما قيمته 28.000 مليار دينار خصص للتنمية ، حيث كانت قيمة تلك الإيرادات السيادية تسهم في تمويل ما نسبته ‎%‎70 من الميزانية الإدارية أو التسييرية ( مرتبات و نفقات الباب التاني ).

فإذا كانت إتفاق عام بحجم 43.000 مليار دينار تولد عنه إيرادات سيادية بقيمة 7.000 مليار دينار في العام 2010 م فإن إتفاق بحجم 86.000 مليار دينار للعام الماضي كان يفترض أن يتولد عنه إيرادات سيادية بقيمة 14 مليار دينار على أقل تقدير ، فكيف إتفاق عام بهذا الحجم يتولد عنه إيرادات بقيمة 2.350 مليار دينار فقط ؟ .

6- الدولة أو كما هو معروف إسثتمرت مبالغ ضخمة تقدر بعشرات المليارات الدولارات في صندوق الثروة السيادي للبلاد ( المؤسسة الليبية للإسثتمار ) وهذه الصندوق الذي يرنح تحت وطأة العقوبات الدولية والفساد لم يسهم بأي مبالغ مالية في تمويل الميزانية العامة منذ سنوات طويلة فكيف ذلك ؟ ألم يكون أحد أهدافه الرئيسية لتنويع مصادر دخل البلاد ؟.

7- الحكومات السابقة والمتعاقبة عادة ما تضع تقديراتها للإيرادات السيادية في الميزانية عندها حدها الأدنى لكي تتجنب مسؤولية الفشل في تحصيل ما كان يجب تحصيله ومع ذلك كانت غير قادرة حتى على تحصيل قيمة تلك الإيرادات عند ذلك الحد فكيف ذلك ؟.

وفي الختام يجب الإعتراف بأن هناك خلل كبير جداً يتطلب من الحكومات سرعة التعاطي معه ومعالجته ، فإهمال الإيرادات السيادية أو الغير نفطية من شأنه أن يفاقم العجز في الميزانية العامة للدولة ومراكمة الديون على خزينتها كما إنه يمثل ضياع حتمي لأموال الدولة ومقدراتها وإستزاف سريع لمواردها النفطية وإهدار لإحتياطي الأجيال القادمة .