“الثليب”: الليبيون يدفعون أعلى فاتورة كهرباء في العالم ومع ذلك مستوى الخدمات كارثي!

364

كتب: الخبير الاقتصادي عبد الحكيم الثليب

أحد المغالطات المنتشرة على نطاق واسع هي أن الكهرباء في ليبيا رخيصة، وأن أغلب الليبيين لا يدفعون فواتير الكهرباء، هذه المغالطات لا علاقة لها بالواقع، فالليبيون يدفعون فواتير الكهرباء مقدما، وهم يدفعون أعلى فاتورة كهرباء في العالم، وإذا تم أخذ مستوى الخدمات الكارثي في الاعتبار وأن الكهرباء تنقطع يوميا ساعات طويلة فإن الفاتورة لا تصبح فقط الأعلى في العالم بل أن الموضوع يتحول إلى جريمة نصب واحتيال!

شركة الكهرباء الحكومية الليبيية التي تحتكر قطاع الكهرباء في لبيبا بالمطلق بحكم القوانين الإقطاعية تتحصل كل سنة على المليارات من أموال الليبيين التي تنازل عنها هؤلاء الليبيين في عملية النصب التاريخية الشهيرة، وعملية حسابية بسيطة سوف تبين أن تكلفة الكهرباء في ليبيا هي الأعلى على مستوى العالم، وأن الليبيين يدفعون فواتير الكهرباء مقدما لشركة الكهرباء الحكومية الإقطاعية، رغم أن الوضع الطبيعي يقتضي أن تقوم هذه الشركة بتعويض الناس بالمليارات على الأضرار الفادحة التي يتعرضون لها بسبب تردي خدمات هذه الشركة الديناصورية، خاصة وأنها هي الجهة الوحيدة التي تحتكر السوق.

الكهرباء تحولت إلى (سلعة) في جميع الدول التي تنتمي إلى هذا العصر، وقد أصبح بإمكان المرء أن ينتج الكهرباء ويبيعها بطريقة لا تختلف كثيرا عن إنتاج وبيع الطماطم والمعدنوس، وأنا هنا لا أمزح بل هذا واقع حقيقي قائم، وأغلب حكومات الدول التي تنتمي إلى هذا العصر لا تصرف على الكهرباء مليما واحدا، بل أصبحت الكهرباء مصدر دخل لتلك الحكومات عن طريق الرسوم والضرائب التي تجنيها من هذا القطاع.

النقطة الجوهرية البديهية التي يبدو أن ساستنا وخبرائنا المخضرمون لا يزالون غير قادرين على استيعابها هي أن مشكلة الكهرباء في ليبيا ليست (فنية) بل هي مشكلة تنظيمية إدارية اقتصادية، وتخصيص المزيد من المليارات المنهوبة من الناس لشركة الكهرباء الحكومية الإقطاعية سوف لن يحل المشكلة، وتوريد المزيد من المولدات والمحولات والأسلاك، والسيارات والمكاتب الفخمة، والكمبيوترات، والأيفونات، سوف لن يحل المشكلة، وتوريد الألواح الشمسية في ظل الصيغة الإقطاعية الحالية سوف لن يحل المشكلة، والعجلة المربعة لا تدور ولن تدور حتى بعد مليون سنة أخرى، والنفخ في القربة المخرومة سوف لن يحقق إلا المزيد من انتفاخ الأوداج وتقطع الأنفاس وضياع المزيد من المليارات.

النقطة الأخرى التي لا تقل أهمية وخطورة هي أن قطاع الكهرباء لا يوجد في جزيرة معزولة بل هو مرتبط عضويا بالقطاعات الأخرى، وتحقيق الاستثمارات في قطاع الكهرباء سوف يحتاج إلى صيغة أو تركيبة أو بيئة تنظيمية إدارية اقتصادية تنتمي إلى هذا العصر، وسيحتاج إلى سياسات نقدية تنتمي لهذا العصر وينفذها مصرف مركزي ينتمي إلى هذا العصر، وستحتاج إلى نظام ضرائب حديث مصمم لهذا العصر، وإلى وسائل التمويل والمشاركة والاستثمار الحديثة المصممة لهذا العصر والتي تشمل وسائل أسواق الأسهم والسندات والمصارف الحديثة التي تنتمي إلى هذا العصر، وهذه كلها وسائل ضرورية لا غنى عنها لتوفير وسائل التمويل والمشاركة الحديثة الشفافة التي يمكن عن طريقها تأسيس وتمويل الشركات المساهمة العملاقة التي يمتلكها الآلاف ويعمل فيها الآلاف والتي تصل ميزانياتها إلى المليارات، والتي يمكنها أن تقوم بالاستثمارات والمشاريع العملاقة دون أن تكون بالضرورة مملوكة لفرد واحد أو عائلة واحدة بل مملوكة للآلاف وربما الملايين من المساهمين والمستثمرين.

الذي ينطبق على قطاع الكهرباء ينطبق بالتمام والكمال على القطاعات الأخرى، وينطبق على الوقود والبنزين الذي لا يزال الكثيرون يتوهمون أنه بنزين رخيص في ليبيا رغم أنه ليس فقط باهظ الثمن ولكنه أيضا مدمر وملوث وقاتل، وينطبق على قطاع الصحة المنهار، والتعليم، والصيد البحري، وينطبق على وزارة السياحة الوهمية في البلد الذي لا يأتي إليه السياح، وينطبق على باقي القائمة الطويلة المزرية.

طريق آلاف ميل يبدأ دائما بخطوة، والذين يسيرون على الدرب يصلون، على شرط أن يكون السير في الاتجاه الصحيح حسب الخريطة والبوصلة، وليس ركض عشوائي عبثي، والله المستعان.